قانون الانتخابات الجديد في العراق.. من يريده ومن “يرفضه”؟ ولماذا؟

بينما يواصل مجلس النواب العراقي مناقشة مشروع قانون جديد للانتخابات تمهيدا لإقراره خلال الأيام المقبلة، طفت على السطح اعتراضات واسعة من قبل قوى وأحزاب ناشئة، وأخرى لديها ثقل في الساحة العراقية، مثل التيار الصدري، باعتباره يمثل “تراجعا عن المكاسب” التي تحققت بعد احتجاجات تشرين.
ويعود مشروع القانون الجديد، الذي قرأ قراءة أولى في البرلمان العراقي الشهر الماضي، إلى الآلية القديمة التي تم اعتمادها منذ عام 2014، وتضمنت نظام “سانت ليغو” الانتخابي المعدل بنسبة 1.9.
يختلف القانون المقترح عن القانون الحالي، الذي جرت به انتخابات 2021، في كونه يجعل المحافظة دائرة واحدة، بدلا من دوائر متعددة، وهو مدعوم من قبل قوى الإطار التنسيقي.
ويضم الإطار كتلا شيعية أبرزها دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وكتلة الفتح الممثلة لفصائل الحشد الشعبي الموالي لإيران. وكان قد تعرض لخسارة فادحة في الانتخابات الماضية قبل أن يتمكن من الاستحواذ على غالبية مقاعد مجلس النواب نتيجة استقالة نواب الكتلة الصدرية في يونيو الماضي.
بالمقابل، شهدت بغداد مؤخرا تظاهرات رافضة للقانون الجديد، وكذلك أبدى نواب مستقلون، ومن قوى محسوبة على حراك تشرين، رفضهم للقانون المقترح، وكذلك ظهور مؤشرات على رفضه من قبل التيار الصدري.OGlj9NC
ويؤكد عضو ائتلاف دولة القانون، النائب السابق عمار الشبلي، أن قوى الإطار التنسيقي اقترحت القانون الجديد لاعتقادها أنه سينهي مسألة “تشتيت أصوات الناخبين كما حصل في الانتخابات الماضية”.
وأضاف الشبلي في حديث لموقع “الحرة” أن “القانون السابق وفق مبدأ الدوائر المتعددة تسبب في حدوث مشاكل فنية متعلقة بتحديد المنطقة الانتخابية جغرافيا”.
وقال إنه “في كثير من الدوائر كان هناك ظلم في تقسيم المناطق وتم اجتزاء مناطق منها ومنحها لأخرى لاعتبارات مصلحية”.
وعدد الشبلي “مساوئ” القانون السابق، إذ أشار إلى أنه “لم يراع العدالة أو الشروط التي صوت عليها البرلمان في حينه، واشترطت التساوي في الدوائر والعدالة في توزيع المقاعد”.
وتابع الشبلي، وهو عضو سابق في اللجنة القانونية النيابية، أن “تشتت الأصوات ولد قوائم كثيرة، وهذا أدى لابتزاز برلماني سواء مالي أو من أجل الحصول على المناصب”.
وأكد أن “غالبية الكتل الكبيرة كالأكراد والإطار التنسيقي والسنة مع القانون الجديد وكذلك انضم لهم بعض المستقلين”.
وبشأن الحديث عن رفض التيار الصدري للقانون الجديد يبين الشبلي أنه “حتى الآن لم يصدر رأي صريح من زعيم التيار مقتدى الصدر، بشأن القانون الجديد ولا من مكتبه الخاص أو الهيئة السياسية ولا حتى بشكل ضمني”.
وبالفعل، لم يصدر حتى اللحظة أي تعليق من زعيم التيار مقتدى الصدري بشأن القانون المقترح، لكن نائب رئيس البرلمان السابق القيادي في التيار الصدري، حاكم الزاملي، نشر الأسبوع الماضي على حسابه الرسمي في فيسبوك مقطعا مصورا لممثل المرجعية، وضمنه تعليقا يقول “لا للقائمة المغلقة، لا للدائرة الواحدة” في إشارة للقانون الجديد.
كذلك، وجه النائب المستقيل عن الكتلة الصدرية، حيدر المنصوري، انتقادات للقوى المهيمنة على البرلمان ووصفها بأنها “أحزاب سانت ليغو”.
وقال المنصوري: “هل تتوقعون من أحزاب السلطة الخاسرة أن تسن قانون انتخابات يسمح للمواطنين بإخضاع الفائزين للمساءلة عن طريق صناديق الاقتراع”.
من المستفيد من القانون المقترح؟
وفق القانون الجديد ستجري الانتخابات وفق آلية القائمة شبه المفتوحة، تكون فيها المحافظة دائرة واحدة وتقسم المقاعد وفق آلية سانت ليغو.
في السابق كان الترشيح فرديا والفائز بأعلى الأصوات ينال المقعد من دون وجود أي عتبة انتخابية (رقم محدد يجب على المرشح الوصول إليه من أجل نيل مقعد).
وتعتمد آلية “سانت ليغو” في توزيع أصوات الناخبين، بالدول التي تعمل بنظام التمثيل النسبي، على تقسيم أصوات التحالفات على الرقم 1.4 تصاعديا، وفي هذه الحالة تحصل التحالفات الصغيرة على فرصة للفوز، لكن العراق اعتمد القاسم الانتخابي بواقع 1.9، وهو ما جعل حظوظ الكيانات السياسية الكبيرة تتصاعد على حساب المرشحين الأفراد (المستقلين)، وكذلك الكيانات الناشئة والصغيرة.
يقول الخبير القانوني والدستوري، ميثم حنظل، إن “إعادة طرح سانت ليغو في هذا الوقت سيسمح للكتل الكبيرة بالعودة للمشهد السياسي والهيمنة على الحياة البرلمانية مجددا، لان هذا النظام لا يسمح للأحزاب والقوى الناشئة بممارسة أية دور”.
ويضيف حنظل في حديث لموقع “الحرة أن “العتبة الانتخابية ونظام الدائرة الانتخابية الواحدة يعني أن الأوضاع في البلاد قد تتأزم من خلال خروج احتجاجات شعبية ترى في هذا النظام تراجعا عما تحقق بعد احتجاجات تشرين”.
ويتابع: “ستكون هناك صعوبة لدى القوى الصغيرة في الوصول للعتبة الانتخابية، وبالتالي هذا يعني أن أصواتها ستهمل، بل والأكثر من ذلك أن أصواتها ستقسم على الكتل الكبيرة الفائزة”.
ويشير حنظل إلى أن القانون المقترح سيؤدي “لهدر الأصوات الناشئة، وستكون نتيجته استنساخا للبرلمانات التي توالت على العراق منذ عام 2003 ولغاية 2020، وكانت فيها القوى التقليدية مهيمنة على المشهد”.
بدوره يرجح المحلل السياسي، غالب الدعمي، أن تضطر القوى المقترحة للقانون لإجراء “تغييرات وتعديلات عليه، ومنها تخفيض نسبة سانت ليغو كأن تصل لـ1.7 أو أقل من ذلك”.
ويشير الدعمي إلى أنه “في مبدأ سانت ليغو كلما زادت النسبة كلما ارتفعت هيمنة القوى الكبيرة التقليدية على حساب القوى الناشئة، من خلال سرقة أصوات ناخبي تلك الكتل التي لم تتمكن من الوصول للعتبة”.
ويضيف الدعمي لموقع “الحرة” أن قوى الإطار التنسيقي قد تضطر للاستجابة للضغوط الدولية أو ضغوط المرجعية الدينية في النجف، وكذلك لخشيتها من تفاقم الاعتراضات من قبل جهات سياسية مؤثرة مثل التيار الصدري.
وفي ظل تصاعد حدة الاعتراضات على القانون، يرجح عضو ائتلاف دولة القانون عمار الشبلي أن “يتم التوصل لصيغة توافقية، ترضي معظم الأطراف.
ويبين الشبلي أن الكتل الكبيرة يمكن أن تتنازل عن بعض النقاط الواردة في القانون المقترح ومن بينها أن تقسم المحافظة لعدة دوائر بدلا من دائرة واحدة أو تغير نسبة سانت ليغو إلى 1.4”.
ويؤكد الشبلي أنه “عدا عن ذلك فمن غير المرجح أبدا أن تعود الكتل الكبيرة الحالية في البرلمان إلى نظام الترشيح الفردي الذي اعتمد في الانتخابات السابقة”.