العراقي المزلزل

شارك

//

د كاظم المقدادي

مع كل حدث سياسي او بيئي كارثي ، يتوجس العراقي وهو في خيفة وحيرة من امره .. مقتربا من التجهيل مرة ، ومستنجدا بالعلم مرة اخرى .. انه الانسان المعذب التائه ، الذي تشابكت عليه العصور ، واحتلت ارضه اكبر الامبراطوريات على ممر الدهور .. لا يفرق احيانا بين ما هو حدث جيولوجي يضرب الطبيعة في اعماقها ، وما هو غضب الهي يزلزل الارض ، ويخرج منها اثقالها .
وكيف نحلل ونبرر لمن يشك بوجود تجارب نووية تحت البحار ، وحروب نووية مرتقبة ، تجيء من القريب والجار ، والبعيد الجبار .. تشبه الحرب الجرثومية التي جاءت بوباء كورونا فجاست الديار ، وحيرت الجاهل والمختار .
اين يقف العقل التنويري من هذا كله ، وهو يرى ما يراه ، من صور مأساوية .. بنايات شاهقة تتهاوى ، وحطام يمتد على مد البصر .. واستغاثة أم وبكاء رضيع من تحت الانقاض تدمي عيون البشر .. وفرق للانقاذ تتوافد من كل حدب وصوب ، ولا نجاة لمن داهمه القضاء والقدر .
كيف نفكر .. وماذا سنقول ، ونحن امام هكذا زلزال ضرب الجارة المسلمة تركيا ، ودمر الشقيقة سوريا ، فهيجت المشاعر والعقول .
واين نجد هذا الذي يجتهد ويصبح محللا بايولوجيا ، مثل اي محلل سياسي استسهل علوم السياسة ظنا منه انها تاريخ (مسفط) يحتاج الى شيء من دهاء الراوي ، وفطنة الرائي ، وعبقرية اللغوي .
اروع ما في هذا العراقي المعروف بنخوته ، والمشهود برجولته ، انه اول من دخل الحدود لنجدة شعوب البلدين ، غير مبال بساسة الجارين ، ولم يرتهن الى الماضي ، فعند الشدائد ، تظهر معادن الرجال ، فالواقع الخطير ، يحفز البال ، ويحسن من الحال وينقذك من القيل والقال .
ضعاف العقول .. هم من يستسهل الخطاب الثوري ، فيلعن هذا الذي قطع عنا الماء .. ويؤمن بنظرية (الحوبة) ولعنة السماء ، ولا يعرف شيئا عن خفايا وتقلبات القشرة الارضية ، واسرار النظام الكوني وقوانينه الطبيعية.
محكومون نحن .. بالعودة الى الطبيعة ، هو شعار اطلقه الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو في القرن الثامن عشر .. وانطلق به كفكرة عظيمة للمصاهرة بين البشرية والثروات الطبيعية .. لأضاءة الطريق ، وتبصير العقول ، وللحد من هوسنا وجشعنا واستغلالنا لكنوز الارض الابدية .
انها الدعوة لترشيد الاستهلاك . بشكل منسجم ومتجانس مع تطلعات وعلوم الانسان البايولوجية ، والحفاظ على البيئة وما فيها من قوانين ، وبها تتم السيطرة على ظواهر الزلازل والعواصف والبراكين .
هل تحتاج تركيا الى مئات السدود للافادة من الطاقة الكهربائية ، ام انها بداية لحروب مائية ، وترسيخ فكرة “النفط مقابل الماء ” تماما كما فعل اعداء العراق عندما حاصروه وجوعوه تحت يافطة” النفط مقابل الغذاء “.
احيانا.. اشعر ان العراق القديم ، ما زال يشغل بال الاخرين ، بهدف تجريده من تاريخه وحضاراته الانسانية .. وبهذا يكون خاليا من التكوين المعرفي ، والعقل الفعال ، والقيم الحضارية.
نعرف ان المصطلح الموغل بالقدم ، الذي اطلقه الاغريق عن العراق القديم هو ” بلاد ما بين النهرين ” الذي ظل يتعرض باستمرار للتهميش بأمعان .. بتخطيط ممنهج من قبل تركيا وايران ، والجفاف الشامل اذا حصل .. فلا معنى ولا قيمة للمقولة الاغريقية ” بلاد ما بين النهرين ” بعد ان يمسي العراق فارغا من معناه ، من دون ماء .. فلا زرع ولا حياة ولا استرخاء .
وعلينا اليوم .. ان نحاجج الاتراك ، ونحملهم مسؤولية اغتيال اعظم الحضارات وطمس اغنى الثقافات البشرية ، وانبل الرسالات والاديان السماوية .
كتبت مرة .. وقبل ان يكتمل السد التركي العملاق ” اليسو” .. اننا لاهون ساهون برومانسية المطربة ” اليسا” اكثر من انشغالنا باقامة سد “اليسو ” العملاق .. المقام على شمال حدودنا وليس في جزيرة الواق – واق .. ولنتذكر جميعا كيف ان سد النهضة الاثيوبي ، قد اثار جدلا وغضبا من قبل مصر والسودان .. ولم يحدث مثل هذا الغضب في العراق .
للاسف ان ما يشغلنا اليوم .. ليس حروب المياه ولا زلازل الارض والانسان ، ولا حتى حقيقة البناء الجاهز و السريع للمولات والعمارات الشاهقة في العاصمة بغداد ، ومدن النسيان .. ويكفي ان نزور واحدة من شركات الصب .. لنرى حجم التلاعب في نسب “الخلطة الكونكريتية ” التي يتوقف عليها صلابة البنيان ، وسلامة الانسان .
توقفوا قليلا .. وانتبهوا كيف انشغلنا كثيرا ، بمدونات ( المحتوى الهابط ) لأصحاب الطشة ” والماء الخابط ، حتى صدعت رؤسنا ، ولا اظن ان ” عسل و غفران وبنات الجيران ” تستحق كل هذا الاهتمام والغثيان .. فالبحث عن الاسباب ، يغني التعرف على النتائج ومايليها من عنفوان.. فهل لكم ان تكشفوا لنا عن الذين كانوا وراء تنمر حريم السلطان .
يا سادتي .. اننا حقا نعيش عصر التفاهة .. لأن كل ما في حياتنا هو هابط ومرابط .. فالسياسات اليومية وفرت بيئة طالحة لظهور كل ما هو هابط ومتدن ودنيء .. فأمست حياتنا الاجتماعية ملوثة ، والامنية مخترقة ، والاقتصادية مفتعلة ، واستثماراتنا مغيبة ، وجامعاتنا بنظمها وكتبها ومناهجها .. امست مرتبكة منقطعة .
ثم ماذا تعني العودة الى انتخابات مجالس المحافظات ، والرجوع الى نظام سانت ليغو اللعين .. وكاننا نلتف من جديد على مطالب انتفاضة شباب تشرين ، وما ذا تعني عودة الدولار الضال الى اللعب بالرهان القديم .. واين هي الرؤية السياسية الناضجة التي تنقذنا من هذا الوضع المتردي الذي “يهبط” بنا كل يوم الى اعماق الجحيم .
لا نشك ابدا .. ان السيد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني .. يحاول اليوم جاد ومجددا .. اعادة تأهيل الدولة ، وفرض هيبتها .. و يسعى لتحريك جميع مفاصلها ، ومن الجهات الاربع ، لكن هناك من الفرقاء من يحاول العودة الى نافذة ” المربع ” الاول .. وما ادراك ما المربع الاول .. انه الجدل السفسطائي العقيم .. للأبقاء على وجود دولة فاشلة ، كل ما فيها مريض وسقيم ..&
اللوحة/ للفنان محمود المقدادي .. الذي اختزل عذابات العراقيين التي لا تنتهي ا